أخبار عاجلة
الرئيسية / الرئيسية / بين الغدير والبرلمان… قراءة في تجربة المندلاوي، الذي لا يشبه غيره … رشيد الشمري

بين الغدير والبرلمان… قراءة في تجربة المندلاوي، الذي لا يشبه غيره … رشيد الشمري


في أروقة السياسة العراقية، حيث تتقاطع المصالح وتتعدد الأصوات، قلّما يبرز مسؤول يختار أن يُنصت أولًا قبل أن يتحدث، ويعمل أكثر مما يُصرّح. محسن المندلاوي هو أحد أولئك الذين اختاروا هذا المسار المختلف، فبدا حضوره دائمًا هادئًا، لكنه فعّال، بعيدًا عن العناوين الصاخبة ومزادات الشعبية.

قبل أن يعرفه العراقيون تحت قبّة البرلمان كنائب أول لرئيس مجلس النواب، عرفوه رجلًا قريبًا من هموم الصناعة وأوجاع القطاع الإنتاجي، من موقعه في اتحاد الصناعات العراقي. هناك، بنى اسمه عبر ملفات تنموية خالصة، لم تُلهمها السياسة بقدر ما ألهمتها الحاجة الوطنية الملحّة للنهوض باقتصاد إنتاجي لا يعتمد فقط على عوائد النفط.

ومن موقعه الجديد في السلطة التشريعية، لم ينفصل المندلاوي عن تلك الرؤية. بل سعى لترجمتها عبر دعم قوانين تُعزز مناخ الاستثمار، وتُعيد الاعتبار للقطاعات الإنتاجية، وتحمي الصناعيين من حلقات البيروقراطية والفساد. لم تكن المهمة سهلة، لكن ما ميّز المندلاوي أنه لم يكن يلهث خلف الإنجاز الاستعراضي، بل يعمل بصبر، ويؤمن بأن التغيير الجاد يبدأ من التفاصيل.

لكن جانبًا آخر يلفت الانتباه في سيرة المندلاوي، هو ذاك البعد القيمي الذي ظهر بوضوح في موقفه من مناسبة عيد الغدير. ففي زمنٍ نادرًا ما تجد فيه مسؤولًا يُعبّر عن قناعاته الدينية دون أن يُقحمها في الصراع، كان قراره بتشريع عطلة عيد الغدير موقفًا ناضجًا، لا شعاريًا. أراد أن يُعطي المناسبة مكانتها في الوعي الوطني، باعتبارها تُمثّل رمزية العدل والوفاء، لا مجرد طقس طائفي أو فئوي.

لقد جمع الرجل في هذا الموقف بين الشجاعة والرصانة؛ إذ لم يكن القرار مجاملة سياسية، بل تعبيرًا عن احترام عميق لإرث الإمام علي بن أبي طالب (ع)، كشخصية تاريخية كبرى ألهمت مفاهيم الدولة العادلة، والحكم الرشيد، والإنصاف الإنساني، بما يتجاوز الاصطفافات الضيقة.

المندلاوي، بتكوينه المتوازن، لم يكن يومًا جزءًا من خطاب الانقسام، بل حرص على أن يكون صوته نقطة التقاء. في لحظات التوتر السياسي، لم يُعرف عنه تأجيج الخلاف، بل التهدئة والتقريب. وهي خصلة نادرة، لكنها ضرورية في بلد تتعدد فيه الرؤى وتتشابك فيه المصالح.

وفي النهاية، لا تكتمل صورة المسؤول الحقيقي إلا حين يُحسن الجمع بين الفكرة والإيمان، بين التخطيط والانتماء، بين الواقعية والحلم. محسن المندلاوي قد لا يكون الأكثر ظهورًا على الشاشات، لكنه من بين القلائل الذين يتركون في الظل ما يصعب إنجازه في الضوء.

عن محرر الموقع

شاهد أيضاً

لتطوير قدرات موظفيها ….دائرة المتاحف العامة تشارك في دورة تدريبية في بيروت.

ضمن توجهات وزارة الثقافة والسياحة والآثار واهتمام معالي الوزير الأستاذ الدكتور أحمد فكاك البدراني بضرورة …