لا تزال أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان تُلقي بظلالها على المشهد السياسي والاقتصادي في العراق. في هذا السياق، أكد مصطفى الكرعاوي، عضو اللجنة المالية النيابية، أن قانون الموازنة لعام 2023 قد نصَّ بوضوح على توطين الرواتب في المصارف الحكومية أو المصارف المعتمدة لدى البنك المركزي كشرط أساسي لصرفها.
أوضح الكرعاوي أن المحكمة الاتحادية العليا أصدرت قرارًا يلزم بتوطين الرواتب في المصارف الحكومية، ثم أتبعته بقرار لاحق يجيز التوطين في أي مصرف آخر معتمد لدى البنك المركزي. ورغم هذه القرارات الواضحة، لم تلتزم حكومة إقليم كردستان بتوطين الرواتب. هذا الأمر دفع الحكومة الاتحادية إلى تقديم الرواتب على شكل سلف وقروض، كان من المفترض أن تُستوفى لاحقًا من مستحقات الإقليم.
ديون متراكمة ووقف التمويل
وأشار الكرعاوي إلى أن الإقليم لم يسدد أيًا من الإيرادات غير النفطية، ولا حتى الإيرادات النفطية السابقة، مما أدى إلى تراكم الديون التي تجاوزت 4 تريليونات و800 مليار دينار عراقي. هذا التراكم الهائل للديون دفع وزارة المالية الاتحادية إلى إيقاف التمويل مؤقتًا لحين معالجة هذا الخلل المالي.
“الكرة بملعب الإقليم”: توطين الرواتب هو الحل الدائم
شدد الكرعاوي على أن “الكرة اليوم في ملعب حكومة إقليم كردستان”، وعليها الالتزام الكامل ببنود الموازنة وتسديد ما بذمتها من مستحقات مالية. وأكد أن “الحل يكمن في توطين الرواتب بشكل رسمي ودائم لضمان وصولها إلى الموظفين أسوة بموظفي الحكومة الاتحادية”.
يبدو أن الضغط يتزايد على حكومة الإقليم للامتثال للمتطلبات القانونية والمالية لضمان صرف رواتب موظفيها بشكل منتظم ودائم.
بدوره، قال عضو مجلس النواب شريف سليمان إن “مجلس النواب يلعب دوراً كبيراً في متابعة ملف رواتب موظفي الإقليم، وإن الحل بات قريباً بعد سلسلة من المشاورات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، والتي شملت الاتفاقات التي أُبرمت قبل وبعد إقرار الموازنة”.
وأضاف، أن “جوهر الموضوع يتمثل في تطبيق بنود الموازنة والاتفاق السياسي والمالي بين الجانبين”، مشدداً على أن “غياب الالتزام الواضح خلال الفترة الماضية انعكس سلباً على انتظام صرف الرواتب، وهو ما يستدعي موقفاً حازماً من البرلمان لضمان حقوق موظفي الإقليم كما هو الحال مع أبناء باقي المحافظات”.
وأكد، أن “الأيام القليلة المقبلة ستشهد حراكاً برلمانياً مكثفاً بعد استئناف الجلسات الرسمية، وستكون هناك مناقشة موسعة لهذا الملف بهدف التوصل إلى صيغة تضمن صرف الرواتب بشكل منتظم وإنهاء معاناة موظفي الإقليم”، بحسب صحيفة الصباح الرسمية.
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى حنتوش، أن ملف مستحقات إقليم كردستان وتصدير النفط “يتطلب مرونة أكبر من جانب الإقليم”، مشدداً على أن الحكومة الاتحادية فتحت الموازنة وعدّلت المادة 12 بما يتيح معالجة هذا الملف وفق رؤية واقعية.
وأشار إلى، أن “استمرار الإقليم بعدم تسليم إيراداته النفطية يدفع الحكومة إلى الاقتطاع من مبالغ مستحقاته المالية، وتسليم المتبقي فقط، وهو ما قد يفاقم الإشكال المالي”، ودعا إلى أن “يتضمن الاتفاق بين الطرفين مرونة متبادلة، لاسيما من الجانب الكردي، بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة”، مثمناً “جهود مجلس النواب في متابعة هذا الملف الحيوي”، مؤكداً أنه “ملف فني بحت وله أبعاد اقتصادية معقدة، ولا ينبغي تحويله إلى مادة للصراع السياسي”.